شاعرة

شاعرة

الاثنين، 29 أغسطس 2016

"صريــــــر قلـــــم "اختيار فتيحة نور عفراء

"صريــــــر قلـــــم " أو ضريـــر قلــــــم"
راقت لي فأحببت مقاسمـة الأستمتـــــاع بهــــا رفقتكــم
حدث ذلك منذ سنين خلت ، كنت في الخدمة العسكرية بالصحراء ، ضابط احتياط . كانت لنا رفقة طيبة ، بعد انقضاء اليوم الشاق بالتمارين و التدريب ، نتحرر ، نعانق الصحراء على امتدادها الشاسع ، نتحلق في جلسة شاي مع الغروب الساحر ، نغرق باللعب في نادي الضباط ، ونشطب على يوم اخر مع انطفاء الشمس وراء تلك الرمال المترامية الأطراف. في الصيف تتحول غرفنا في الليل إلى أفران يستحيل المبيت بها ، فكنا نخرج فراشنا إلى البطحاء ، ونقضي الليل تحت السماء .
كان من أحب تلك الرفقة إلي صديقي حبيب المقداد ، فتى أوتي علما وأدبا و صوتا جميلا ، يصلي بنا التراويح فيملأ نفوسنا خشوعا . يغني لنا في أماسي الشاي خارج أسوار الثكنة فيملأنا طربا .
في تلك الليلة كنت أول من يحمل فراشه ويبسطه في البطحاء ، تمددت شابكا يدي خلف رأسي أحدق في النجوم وفي خيالي صورة أمي التي تفصلني عنها مئات الكيلومترات .
وقطع على حبيب المقداد خلوتي يحمل فراشه بين يديه يبسطه بجواري ثم يتمدد ويحدق حيث أحدق . 
ولأنه كان خريج كلية الأدب كان نقاشنا يدور دائما حول مساءل أدبية لغوية .كانت تلك الليلة ملأى بالنجوم ، ونسائم لطيفة تتنفس بها الصحراء بعد نهار قائظ .
كان نقاشنا ليلتها حول الأصوات : 
يسألني : - ما صوت الغنم ؟ 
فأجيبه : - الثغاء
و أسأله : - ماصوت البقر ؟
فيجيبني : - الخوار .
- ما صوت الضفدع؟
- النقيق.
- ما صوت الجمل ؟
- الرغاء .
- ما صوت الغراب ؟
- النعيب .
- ما صوت الثعلب ؟
- الضغاء .
وسكت قليلا ثم سأل : - ما صوت القلم ؟؟
فأجبت: - الصريف .
فاعترض : - لا ، إنه الصرير .
- لا ، أنا على يقين بأنه الصريف .
- و أنا على يقين بأنه الصرير .
- إذن غدا نحتكم إلى القاموس بمكتبة الثكنة ، ومن كان على خطأ يدفع ثمن القهوة لمن كان في النادي 
- موافق .
وكان هذا آخر سؤال ، إذ جاء بقية الرفاق من النادي وبسطوا أفرشتهم ، وتغير مجرى الحديث .
في الصباح انصرفنا إلى تنفيذ برنامجنا اليومي على أن ننظر في القاموس مساء .
كان برنامجي أن أدرب جنودي على استخدام الخريطة و البوصلة و نظارات الميدان وحساب المسافات .
وكان برنامج حبيب المقداد أن يدرب جنوده على استخدام القاذف الصاروخي RPG7
كان في حقل الرمي ، وكان يجمع جنوده حوله في مربع ناقص ضلع. ثم فجأة سمعت الصاروخ ينطلق ، والجنود يهربون في كل اتجاه ، ورفعت نظارات الميدان إلى عيني لأرى حبيب المقداد واقعا على الأرض وقد انفصلت عنه فخذه من أصلها. وجرينا نحوه ، كانت مازالت به بقية روح ، كان يرفع سبابته بالشهادة ، حملناه في الاسعاف نسابق الزمن ، لكن أقرب مدينة إلينا تبعد عنامئة كيلومتر .
في الطريق حلقت روحه إلى بارئها و سبابته تشير بالشهادة . 
مات صديقي حبيب المقداد لخطأ في تدابير الإحتياط الأمني إذ وضع قمع القاذف الصروخي إلى فخذه 
ولسنا ندري كيف ضغط على الزناد في تلك الوضعية ، فأحرقت الغازات و اللهب المندفع من القمع فخذه ، وهي كفيلة أن تحرق على بعد ثلاثين مترا .
وشربت الحزن ذلك اليوم كؤوسا مقطرة ذرفتها على صديقي في جلسة مساء بلا طعم .
وقلت لنفسي : سبحان الله كان آخر سؤاله حول " صوت القلم " ثم تذكرت قوله تعالى : "نون و القلم و ما يسطرون "كأن أجله أنطقه بهذا السؤال .
ودخلت المكتبة لأنظر في قاموسها ، من منا كان على صواب ؟ 
أهو صريف القلم كما قلت أم صرير القلم كما قال ؟ 
ويا عجبا !
كان
كلانا على صواب ، صريف القلم وضريره ، هكذا حكم القاموس ، لكنا لم نشرب قهوة الرهان 
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
منقول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق