شاعرة

شاعرة

الأحد، 3 يونيو 2018

* الرفـيق عـباس بــُوفـُوس وعــودة الـكـابــوس ** ""نـــــــص""*بقلم عبد الحق توفيق البقالي

** الرفـيق عـباس بــُوفـُوس وعــودة الـكـابــوس **""نـــــــص""الى روح الراحل ادريس بنزكري رحمه الله تعالى بواسع رحمته:-- طـينة المناضلين الناذرة، والسّائرة بكل تحسـّر وأسف إلى الزوال والانقراض-..... الى روح والدتـه الطّــاهرة، أسكنها الله فسيح جـنانـه.... ماوهـنت وما ضعـفت ومااسـتكانت وهي تواظب على زيارته بالسجن كل تلك السنوات الجحيـميـة... سنوات القمــع والرصاص... مع ماكان يصاحب تـلك الزيارات حيـنها من إذلال وقـمع الأمهات... أمهات المعتقلين الطيبات والرائعات والناذرات.... وسيـعلم الذين ظلموا أي منقـلب ينقـلبون.... ______________________________----------------—--——————-—قبل أن يقـرّر عرض نفـسه على طبيب مختـصّ في الأمراض النفسية. قام بمحاولات ذاتية ، لتجاوز حالات ، شرعت في انـْتـيابه مطلع شتاء العام الماضي .حيث لم يعد يجـد للـنوم سـبيـلاً وأصبح كلما غادر البيت في أي اتجاه ، إلا ويشعر بالـتـّيـه والضياع ، وتتلـبـّسه حالة خوف وفزع ،ثم حالةضيق واختناق غريبة ، حالات كانت تجعل الدنيا تسودُّ في عينيه ،فيكره نفسه كما الآخرين ........ وفي سياق محاولاته الذاتية تلك ، ورغبة منه في استبدال الأجواء ، ترك المدينة في اتجاه دوّار " تـاضوت أوشــّن" : ...دوار يقع على قـمة جبلية ، بآخر منطقة زمـّورية ،مــٰحاذية لمنطقة "زايــان".... هناك بعيدا ، أصبحت تقـيم أمــه ، مع ابنتها ، تـعـينها على تحمـّل مشاق تنـشئة ورعاية التوائم الخمس ، التي رزقت بهـنّ تباعـاً ، وفي ظرف سبع سنوات ليس أكثر .... وسط ذهول الاطباء، وضجة إعلامية أوروبية غير مسبوقة... لم يكن هذا مـحض اختيار الوالدة الزمـّورية ، سليـلة عائـلـة "حمـّو عـبــُّو" العـئلة المقاومة والوطنية سابقاً ، والمسكونة حتى النخاع راهناً،ومنذ فترة الاستقلال، بهوس المعارضة...لم يكن ذاك محض اختيارها... فالوالد أقدم على تطليقها طلاقـاً لا رجعـة فيه ، سـنتين قبل مغادرة عبـّاس أسوار السجن المركزي بالقنيطرة ، وذلك عقب حركة احتجاجية كبيرة ، تناولتها كبريات الصحف الاوروبية والأمريكية ، وكانت مـُحرجة ومـُربكة للغاية...: حركة احتجاجية ، قادتها أمهات المعتقلين السياسيين ، نصرة لأبنائهن ، الذين كانوا ساعتها ، يخوضون إضراباً أسطورياً وبطولياً عن الطعام ، جاوز التسعين يوماً ، في صمود وتحمــّل، حيـ"ّرا أطباء التغذية ، وعلماء البيولوجيا...وسيذكر التاريخ أن أُمه ،__ أوْ" حـنّــَا حـجُّــو" ، كما كان يحـلو مناداتها من قبل الرّفاق المعتقلين ...__، ذاقت ألوانـاً من التعذيب ، بعد اختطافها مدة أسبوع كامل ، في غمرة التهاب الحركة الاحتجاجية السالفة الذكر ...وقد أحصى لها البوليس ،ألف زيارة قامت بها إلى السجن ، توفقت فقط خلالها كلها، من رؤية ابنهامن وراء السياج ، لسبعين مرة لاغير ...وكان الرفاق من أطياف سياسية مختلفة ، يتوحّدون ويجتمعون حول قُفة زيارتـها ، المحملة بأجود كسكس صيكوك ، تقضي "حنـّا حـجُّو" ا لليلة السابقة عن يوم الزيارة، كاملة في إعداده... والتفنن في إعداد مأكولات وأطباق زمورية أخرى..... سيتم تعيين الوالد ، عـون سلطة  مقدم ) مكلفا ًبحي "الـمشاميـت "، مباشرة بعد عمليـّتـيْ تطـليق الأم ، والــبـراء من الابن ، علـنــاً ، وفي تصريح مـاكــر ، حفَّظه له أشخاص مجهولون ، واستـظهره كمـا أرادوه، واستمر يـبـثه التلفزيون الرسمي ، بشكل مسترسل مدة سبعة أيام ، قبل وبعد كل نشرة جوية....أمضى عباس شهراً كاملاً في ذاك الدوّار الزياني ، وكتب مـدوّناً في مذكراته :... هنا الأواصر الإنسانية رائعة ،والبساطة تشكل فلسفة حياة ، ونظام عيش... والوجود يكتسي طعمـاً آخـر... أنهى فترة هدوء لاتـُنسى، وعاد بإيعاز وإلحاح من رفاق السجن، إلى ضجيج المدينة ، وصخب النقاشات العقيمة... وبمرارة سيتقبل فكرة الرفاق ، وقرارهم الانضمام الى مجموعة البـبان الديموقراطي ،إذ كان يعتبرها تجميعا لمَِا لن يمكنَ جـمعه... بل إنه في إطار حديث الـنـّفس والدواخل ، كان يعتبر الرفاق وسط الجماعة ذاتها ، خرفانـاً في عرس ذئـاب. ولكنـه مخافة اتهامـه بالتخلـّي ، واصل معهم المسير في غير اقتـناع.... ولم يقبل بأية مسؤولية تسييـرية ، تحت ذريعة الظروف الصحية ، العصيـبة والصعبة التي يجتازها ...وبما أن إيقاع نومه ظل غير منتظم ، إذ غالبا ما يبقى ليلـتين أوأكثر، دون أن يغمض له جفن ، فقد قرر أخيراً ، وبعد طول تريـث وانتظار ، عرض نفسه ، على الطبيب النفساني الفرنسي "جيرار برنار" ، الذي وصف له دواء ثلاثـياً ، يتناوله تحت مراقبته الطبية... أسبوعـاً بعد ذلك ، سينعم بفضل الله تعالى ، ثم بفضل الدواء ، بالاستمتاع بنوم هادئ وعميق ، لساعات طوال... وبنظره ، يلزمه معاودة زيارة الطبيب النفسي، لانه منذ أصبح يستسلم لفترات النوم العميق والطويل ، لم يعش مطلقا لحظة حـلم ، ومن أي نوع... سيصف له طبيبه دواء إضافياً ذا صلة ، بتنشيط جزء الدماغ المختص با لأحـلام....أما أخصائي الجهاز التناسلي والتوليد ، فبمجرد اطلاعه على كشف التحاليل ، أخبره بأن لاأمل له مطلقا في الإنجاب ، بل إنه لم يتردد مطلقا في نصحه بمفارقة زوجته ، إن كانت من صنف الراغبات في الإنـجاب، أو من صنف المتطلعات إلى قوة ودوام الجماع المسترسل.وفضلا عن ذلك علم ذات الطبيب أن تلك العلامات الزرقاء المحيطة بعضوه التناسلي، و أسفل خصيـتيـه ، هي نتيجة الصـّعـق الكهربائي الذي كان الجـلاّدون يُخضعون كامل جسده له...وبذلك لم يتردد في تسليمه تقريراً طبيا دقيقاً ، بكامل الجزئياتوالتفاصيل...لعله ينفـعه في تدعيم وتقوية حجـجه ، إن هو رغب في المقاضاة الدولية لمسؤولي البلد....تسلّم منه التقرير وهو يرد عليه مـازحاً، سأقاضي جلاّدي بلدي ،لدى قضاء بلدي.... داوم على الخلود للنوم الطويل والعميق ، محترماً حصص ومواقيت تناول الدواء... وفي ليلة الأربعاء ، خامس يناير ، اليوم والتاريخ المصادفان لتاريخ اعتقاله ، عاش حلماً طويلاً مسترسلاً ، اختزل كامل العام الذي قضاه متنقلاً ببن مـُعتقـلـَيْ تـمارة، ودرب مولاي الشريف السـرِّيــّيــْن... ، التكـبيل المستمر لليدين ،حتى اعتلاهما تــورم مايزال أثره قائماً اإلى اليوم ....تعصيب العينين ، وتعطيل تشغيلهما .. حصص التعذيب التي تنطلق قـبيل آذان الفجر بقليل ، الـتكدّس والنـوم في عراء ، وسط فضاء ضيق ... المجموعات التي أنهت السنة ، وانتهى التحقيق معها، ومع ذلك ماتزال تعيش على روع وهول حصص تعـذيب الآخربن ، وهوس معاودة التعرض للتعذيب.... عاد به ذات الحلم الى نوع من الإحساس بالذنب، جراء ذكره بسبب التعذيب الشديد ، أسماء أشخاص ، لم يكن لهم أدنى انـْشغال بالسياسة والنضال ، ولم يكن لهم أي ارتباط بـتـنظيم ، ظل هو نفسه واهمـاً يعتقد أنه سري ، ليكتشف بمرور سنوات الاعتقال ،أنه كان سريـاً فقط على الجماهير الشعبية ، ومفضوحاً أمام البوليس... أعاد له الحلم إلى الذهن ، كيف أن الجنرال الأعور البوذنيبي ، كان يتماهى بالجنرال بـينوشي ، ويوهم الجميع أنه يحمي بإخلاص، الوطن وأهله من مطامع حكم البلد بالشيوعية ، وهي المطامع التي تتمـلك هــؤلاء الصـِّبية... وسبحان الله تعالى ، وعياذاً به من كل وقوع في الكفر والزيـغ والزلل... كان الجنرال الأعور نفسه ، يصيح في الجلادين : عذِّبوهم عذاب جهـنم... فأنا هنا... أنا هنا... يعجبني كثيرا سماع أنينهم وصياحهم ....سكراناًكان يصـيح ، ويرسل قهقهات عالية ، عربون سادية وعلو ّ وفساد في الأرض.....سافر به حلـمه كذلك إلى أولائك الأشباح ، الذين يشرفون على تنظيم الاقتياد الى مجزرة التعذيب ، مثلما ينظمون تناوب المعتقلين على بيت الخلاء ،:...اقتياد نحو قاعة التعذيب تحت التعذيب ،واقتياد إلى دورة المياه تحت السياط....... ويشرفون على مد المعتقل بخبزة واحدة يابـسة كل ثلاثة أيام... أشخاص شداد غلاظ ، لايعصون الجنرال الأعور ما أمرهم... ويُؤمر المعتقلون لزاماً بمناداتهم بالـحـُجاج.... تصور حالمـاً كيف أن كلمة الحاج بما تنطوي عليه من حمولة دينية ، تحيل على مقام بيت الله ، والتعـبد والتسامح والرأفة... كيف أنها لم توقظ في ضمائر هؤلاء الجلادين مقدار حبـّة من خرذل من شفقة... أفاق مفزوعا مذهولا من نومه ، وقد بلغ قلبه حنجرته... غمر كامل جسده عرق بارد ، أحس بالموت يداهمه... وقبل أن تشرق الشمس بكثير ، وجد نفسه بجوار أمه... حكى لها كل ما جرى... لم تقل له مجرد أضغات أحلام... بل ضمـّته إليها في رقــّة وحنان...أحس بنفسه طفلا بالكاد يرمي خطواته الأولى... وبـعزم ، وقوة حزم، افتقداهما الرفاق... أشارت عليه بالمعمول. ......وخلال الأسبوع نفسه ، عمل على إرجاع المبلغ المالي ، للجنـة جبر الضـّرر عن طريق خزينة الدولة ... أي جبر هذا ؟ولأي ضرر؟! ونـٰدوب عذابات مرحلة لم تندمل... آلام في النفس ، تعَطّل الولادة والإنجاب ، موت ( همّة الرجل ) وخوف عشعش في الأعماق....من أجل ذلك استعان بتقرير الطبيب ، وعن طريق منظمة حقوقية دولية ، باشر تقديم دعوى في مواجهة الدولة ، وكله أمل في مقاضاتها بجرائم حرب ، في اجتهاد قضائي دولي غير مسبوق.... وكم خاب ظنه ، وأحس بالغـُبن الشديد ، لما رفضت المحكمة الدولية الدعوى في الشكل ، معتبرة كل الوقائع التعذيبـية ، تنتمي لفترة سلم ، بل إنه هو من كان يرغب في جرِّ الوطن نحو فتن الحرب والاقتتال الداخلي ،بتطاوله على النظام السياسي ، ومسه بالأمن العام....أيقن ساعتها أن اللعبة أقوى منه ،وأن التكالب على الحق ذو صبغة عالمية، وانتابه إحساس بأنه لم يعد صالحاً لأي شيئ.... لكن . مّي أو"حنّـا حجٌـو " واعدته بأنها ستصرف كل بقية عمرها في الصلاة ، والدعاء بالويل والخراب ، وسوء المصير يوم القيامة للوالد الخسّيس ، وللمعتدين الذين لا تأخذهم رأفة ولا رحمة في خلق الله والعباد...أحس بأن أمه بوعيها الفطري ، اشتمت رائحة الغدر وقلة الرجولة ، في مجموعة البيان الديموقراطي . فطلبت منه اعتزال هذه المجموعة كلها ، والابتعاد نهائياً كذلك عن جماعة الجرّار والجزار ، لأنها بحسب "حنٌا حجّو" من صنف من يقتل القتيل ، ويمشي باكيــاً مـنتحبـاً في جنازته....*****بقلمي عبد الحق توفيق البقالي *****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق