- عودتان
- قصة قصيرة بمناسبة ذكرى حرب العاشر من رمضان
- بقلم /محمد على عاشور
- الأنظار الشاخصة المتأملة الممتلئة بالفرح أربكته ، منذ أن وطأت قدماه الشارع كانت خطواته ثابتة وراسخة ،عيناه تتحركان في مقلتيه يميناً ويساراً ، البسمة لا تفارق شفتيه ، وهو يومئ برأسه كي يرد التحية التي تشبه التهليل .
- صعد الأتوبيس العتيق وسرعان ما اتجهت الأنظار إليه ووقف كل الركاب وهو يمر وسطهم باحثاً عن مقعد .
- : تعالى يا دفعة هنا مكاني
- قالها شخص وقد نهض من مكانه ليتركه له مزحاً
- : لأ .. تعالي هنا جنبي .. أنا عندي مكن فاضي
- : لا .. جنبي أنا
- : علىّ الطلاق بالتلاته ما أنت قاعد إلا جنبي .
- نطقها الرجل فأسكت الجميع الضاحكين الفرحين وحسم الموقف لصالحه.
- : خد يا دفعة ، والنبي لازم تاخد مني وتأكل ، مد إيدك يا بني ما تكسفنيش
- قالتها عجوز وهي تمد له يدها بكيس من البرتقال ، فأخذ واحدة وهي تصر أن يأخذ أكثر
- يأتي أخر ومعه كيس من الموز يدفع به إليه فيشكره ، لكن الرجل يقسم بالطلاق إن لم يأخذ منه سيلقيه من الشباك .
- : وسع لي يا خويا شويه كده ، خد يا دفعه ، شوية كحك من بتاع العيد ، والله أول مرة يبقى له طعم نم زمان ، دا إحنا عمرنا ما عيدنا زي السنة دي ، طب دوق دي كمان .
- : وقعت كام طيارة يا دفعة ؟
- : ضربت كام دبابة ؟
- : قتلت كام واحد منهم ؟
- : ألا صحيح معاهم نسوان بتحارب ؟
- : احكي لينا يا دفعه .
- أسئلة تأتي من كل مكان وهو يبتسم في داخله ولا يعرف ما ذا يقول ، واحتوته هاله من الحرج وهو يرى كل هذا الاحتفاء ، حاول أن يدعى النوم وهو يهرب من نظراتهم السعيدة ، وقد انفرجت عن شفتيه ابتسامة عندما سمع في جنبات عقله شخص يقول له ( محجوز يا دفعه .. محجوز )
- عندها ذهب إلى المكان الوحيد الخالي وجلس بجوار راكب أخر ، رمقه الراكب ، ثم قام وفضل الوقوف في مؤخرة الأتوبيس عن الجلوس بجواره .
- كان يتمني أن تنشق الأرض وتبتلعه أرحم من أن تحرقه هذه النظرات ، ثم تحولت النظرات إلى همسات خفيفة سرعان ما تحولت إلى تهكمات ونكات ثم سباب أعجزه عن الرد لمدة ، وعندما أراد أن يسكتهم بإظهار غضبه لم يجد إلا المعايرة .
- : كنتوا اعملوا رجاله هناك .
- وقتها سقط على الكرسي واضعاً رأسه بين كفيه وأخذ يبكي وعند ما نزل من الأتوبيس ونظر على الأرض الحزينة الباكية على جزئها الضائع ، دخل إحدى حقول الذرة وظل قابعاً بداخلها متواريا عن أعين الناس ، الذين سيقابلونه بنظراتهم التي تشير بالاتهام ، فقد كان يعلم ما تمتلئ به نفوسهم من الخيبة ، خيبة يحملها فوق أكتافه هو وكل يرتدي هذه الملابس .
- بين أعواد الذرة ظل منكفئاً برأسه على ركبتيه حتى انتهى النهار ، فخرج يتستر برداء الليل حتى دخل بينه ، ليلاً وظل جالساً فيه لا يخرج حتى انتهت إجازته ، وكما دخله ليلا ، خرج منه أثناء الليل .
- توقف الأتوبيس العتيق ، هبط منه في هدوء ، كلمات من السلامة تنطلق من كل مقعد في الأتوبيس ، كل الأيادي تلوح له ، والأعين تتبعه وهو واقف يلوح كمن يودع عزيزاً .
- نظر إلى الشمس ، حاول أن يسرع الخطاء حتى يصل بيته قبل غروب الشمس .
- ............................
شاعرة
الاثنين، 28 مايو 2018
عودتان** قصة قصيرة بمناسبة ذكرى حرب العاشر من رمضان**** بقلم /محمد على عاشور
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق