شاعرة

شاعرة

السبت، 30 يوليو 2016

دراسة ادبية *****بقلم شاكر صبري

بسم الله الرحمن الرحيم
دراسة ادبية عن الشاعر السيد الصديق
السيد الصديق حافظ نمط شعري ذو طابع خاص
عن كتابه الاخير غربة في وطن
بقلم شاكر صبري السيد
مولده ونشأته
ولد شاعرنا باحدي قري محافظة دمياط بكفر سليمان البحري سنة 1937م حفظ القران الكريم وتربي في النمط الديني المحافظ ودرس بالازهر الشريف حتي اتم تعليمه الازهري بكلية اللغة العربية ثم حصل علي دبلومة تربوية ليتم تعيينه بعد ذلك في مجال التدريس بالازهر وعمل به لفترة غير قليلة ثم اعير الي ليبيا ثم الي الجزائر ثم ارتاح من سفره قليلا ليعود للعمل بمدارس منارات الرياض بالمملكة العربية السعودية كمدرس للغة العربية لمدة عشر سنوات ثم يعود ليرتاح من اسفاره وتنقلاته وقد بلغ سن القعود تقريبا ليفرغ لاعماله الاخري بين اهله وعشيرته التي يحبهم ويرتاح بينهم
نشا شاعرنا في قريته في مرحلة لم تكن القرية فيه قد تغيرت كانت الاواصر بين الناس قوية والعلاقات موطدة اكثر منها بعد دخول الحضارة الي القرية وانشغال الناس بامور حياتهم عن التفاعل مع بعضهم البعض فاثر ذلك علي سلوكيات الشاعر وجعل منه نمطة قديما محافظا علي السمت القديم وعلي الحنين الي الطباع القديمة
كان لحفظه القران الكريم دور كبير في شخصيته وفي لغته الشعرية وايضا لدراسته للغة العربية دور اكبر في حفاظه علي اوزان الخليل وتاثره بهذا النمط من الشعر العمودي الذي تنحي الكثيرون من المحدثين عنه واثر ذلك علي حسن اختياره لالفاظه وسهولة الابداع فيها بيسر دون تكلف
حياته في المملكة العربية السعودية
كانت حياته في المملكة العربية السعودية ذاخرة بالابداع فقد تنقل بين اغصان الرياض في اكناف محبي الشعر والادب ومتذوقيه وكانه يعود الي سوق عكاظ وايام العرب الاولي حيث كانت تعقد ندوات الشعرات ومنافساتهم في مكة وفي اسواقها
لم يهتم الشاعر في حياته الاولي باصدار ديوان او كان يجمع اعماله خوفا من ضياعها ولكنه كان يكتفي بنشرها في المجلات العربية او بمجلة الازهر بمصر خاصة او غيرها ما اتيحت الفرصة ولو يكن يجد من يشجعه علي ذلك لعدم تعايشه مع محبي الحداثة والغريب من النمط الشعري ولكنه بعد ان تجاوز السبعين وجد الحاحا من صديقه الدكتور عبد الله الرشيد استاذ الادب العربي بالمملكة العربية وكان صديقا محبا له ومداوما علي الاتصال به عبر الهاتف اصر عليي ان يجمع اعماله في ديوان او اكثر ليتحف الاجيال بها وقد كابد شاعرنا نظرا لظروفه الصحية في جمع اعماله وتنقيحها ومراجعتها وتصحيحها لكي تصل الي القراء في ثلاثة دواوين وهما واحة في الهجير في جزءين ثم بعد ذلك في كتابه الثالث غربة في وطن والاخير اكثره ذكريات وحكايت عن طفولته وحياته في قريته هذه الحاكيات ربما ظن البعض انها من لغو الحديث ولكنه تعبر عن اعماق الشاعر وعن ما يدور بجوفه يقول الشاعر في كتابه غربة في وطن فهذا الكتاب غربة في وطن قصائد وخواطر وذكريات هو الاصدار الثالث بعد ديواني واحة في الهجير الجزء الاول والثاني وهذا الكتاب يضم مجموعة من القصائد التي كانت غائبة عن متناول يدي ظهرت امامي بتيسير عجيب كانها رزق قدره الله وظهر في وقت مقدر الي ان يقول هذه خواطري صدي من نفسي وقبس من روحي اضمنها هذه الصفحات لتعينني في مقتبل ايامي علي استجلاء الماضي الذي كنت اعيش فيه الي ان يقول
هذه خواطري بما فيها من خير او شر حلو او مر اكتبها لنفسي لتكون صفحات الماضي بين يدي المستقبل " ص 11-12
ثم لو نظرنا لوجدنا انها حكايات ادبية لاجواء القرية المصرية انذاك وكشف بعض الجوانب التي غفل عنها الكثير من الادباء بمعني اخر يمكن ان نقول انها حكايات شعبية ادبية
النشاط الرياضي
كان شاعرنا رياضيا نشيطا في مرحلة الصبا مثله مثل شقيقه ثبري الصديق حافظ وكان مثقفا واسعا الثقافة فنجد ان الاسرة كلها محبة للادب والعلم في وقت كان نادرا من يهتم بمثل هذه الامور في ااسرة الواحدة
وانحدر اصل الشاعر من عائلة عريقة هي عائلة سليم التي تفرعت لفروع كثيرة وشعب ومنها ظهر الشاعر احمد عبد الوهاب ابو العز سكرتير امير الشعراء احمد شوقي
والكثيرون في مجالات اخري
والده
كان والده يتيما مكافحا اعتمد علي نفسه ولكنه سرعان ما اصيب في شبابه بمرض عضال اقعده في مستشفي القصر العيني لمدة ثلاث سنوات فاضطرات والدته الي تتعلم مهنة التوليد لتشتهر بذلك ولتنفق علي صغارها وعاد الرجل من مرضه لييبدا من جديد وليصبح صاحب تجارة لا باس بها ويثبت وجوده بين من حوله بعد ان عاني وقاسي من المرض وهذا هو داب هذه العائلة التي قاسي الكثير منها وقاوما كدح الحياة وظلمها ليعيشوا كراما ما كان فيهم رمق من الحياة
الشعر العمودي
الشاعر ظل متمسكا بنمطه العمودي في شعري علي مدي تارسخه منذ نشاته وحتي حياته المتاخرة وهو مقتنع تمام الاقتناع بذلك ولاعتقاده ان الشعر هو ما اعتمد علي الوزن والقافية وما احتوي علي مرادفات اللغة العربية الاصيلة اما ما دون ذلك فهو غير معترف به كشعر
يقول الشاعر في كتابه غربة في وطن " انا انصح محبي الشعر من الشباب ان يتزودوا من الشعر الخليلي الموزون والمقفي ويجدد وافيه ما شاء لهم التجديد فسيجدونه قادرا علي تلبية طموحاتهم اذا احترموا خصوصيته " ويقول " واقول لمن يدعون انهم المجددون هاتوا كل ما عندكم من دواوين وضعوها في كفة وهذه الابيات للشاعر ايليا ابو ماضي بعنوان المحبة وقد ذكرها الشاعر في كتابه ثم قال
" ارايت كيف طاشت دواوينهم جميعا امام قصيدة واحدة من المجددين الحقيقيين ط ص 35 ثم قال
" قل لهم ايها القارئ ايليا ابو ماضي مات من ستة عقود ويحفظ الناس شعره فهل يحفظ اديب لكم بيتا واحدا مما تدعون " ص 35 غربة في وطن
انجب الشاعر ثلاثة اولاد ابنتين ثم عماد الذي كبر وانجب بعد ذلك طفلين محمد ورحمة وفرح الشاعر فرحا شديدا بحفيديه لابنه عماد فقد كانا امتدادا لاسمه وهذه هي سنة الحياة كما يقولون في المثل الشعبي " اعز الولد ولد الولد "
وانشد في رحمة في كتابه الاخير غربة في وطن قصيدة تقول
ابنتي رحمة بنت ابني عماد نعمة الوهاب اعطانا وجاد
فله الحمد علي نعمائه وله الشكر ونرجو ان نزاد
رب قد حسنتها خلقا فحسن نعمة الاخلاق نستوف المراد
انت يا رحمة بنت صالح مهدك الطاهر عز للمراد
ابنتي بنت حبيبي انت لي رحمة حقا وفخر وامتداد
تاثره بالقران الكريم
تاثر شاعرنا بالقران الكريم تاثرا كبيرا في سلوكياته وحتي في الفاظه وابداعه الشعري
ولعلنا نلحظ ذلك جليا في قصيدته شموخ العفة التي يقول فيها
وقالت اخرج عليهن الهوي قدر لعل حسناء غيري سوف تغريه
وعندها سوف سدنو لي الشموخ علي ما اشتهي والذي ابغيه امليه
وتصمت النسوة يكدن فلا يقبلن عذلي ولا يرضين تسفيهي
واقبل الحسن في جلالته فادبر القبح كالمذعور في التيه
لما رايت الفتي اكبرن طلعته وقلن الله جل الله منشيه
قطعن من دهشة القيا وروعتها دم جري عجبا للحب يجريه
قالت واضعاف ما تبنيه تخفيه فذلكن الذي لمتنني فيه
لان عصاني واشقاني تأبيه ليسجنن ونفسي بعد تفديه
وراعها انه مستعصم انف كانه ملك لا شيء يغويه
في وجهه النور والايمان مؤتلف والدر والحكمة الغراء في فيه
نلاحظ في هذه القصيدة سردا للقصة الحقيقية قصة يوسف وامرأة العزيز زليخا التي وقعت في حبه وشغفت به باسلوب ادبي جميل سلس ويظهر فكره الديني وتاثره بحفظه للقران الكريم وانتمائه الي مدرسة الازهر الشريف في الفكر الديني المعتدل
الجانب الفلسفسي
وكتب في قصيدة عن الموت
ما الموت ماذا فيه من تلك المعاني الخافية
اعيا فلاسفة الوجود ذوي النواصي العاتية
الموت ليس لمؤمن يرجو الحياة الباقية
الموت في بردي جهول مثل ثور الساقية
عاش الحياة بمعدة ملاي وراس خاوية
الاعتدال الفكري والديني
لم يكن شاعرنا ذا فكر متطرف خاصة وان اتجاهه ديني بحت ودراسته دينية بالازهر الشريف ولكنه اخذ من الازهر الاعتدال والوسطية فقد كتب قصيدة لكوكب الشرق ام كلثوم يقول فيها
يا كوكب الشرق اسلمي يا امة من نعم
سا جيل فن صاعد قد راح فوق الانجم
ماذا اصابك ويلنا من راقد متالم
افديك بالنفس النفيسة والاضالع والدم
وبقلب حر واجف متصدع متندم
علمته حب الجمال فكنت خير معلم
يا بنت داوود النبي واخت موسي الاعظم
يا ربة السحر الحلال فدتك نفسي فاسلمي
الجانب السياسي
ولعل الجانب السياسي لم يخف عن حياة شاعر من اصل عريق وان كان لا يفارق غيره من الشعراء فان انشغاله بهموم وطنه جزء لا يتجزا من ذاته ومن شخصيته الثائرة المتدينة بطبعها
ويقول شاعرنا وقد وقف علي شاطيء القناة بعد التاميم
وقفت بشطها والفلك تجري علي هاماتها اعلام مصر
وتحت القبة البيضاء عمي وقائد زورق الارشاد صهري
فسحت فرحة دمعات عيني ورفت بسمة نبتت بثغري
فما تجري بها سفن ولكن حياة الناس اوالارزاق تجري
تقر من يسافر بعد خوف ةتدني كل ناحية وقطر
اطوف خلف اسوار الليالي مع التاريخ عصرا بعد عصر
فابصر تحت لجتها عظاما بجمجمة محطمة وظهر
جرت فيها دماء غاليات وضوح في ثراها كل زهر
وعاث الموت مجنونا بقومي فما كانت سوي احناء قبر
وغني السوط في يد كل فدم ملاحم في اديم القوم تفري
فقلت وقد تملكني بكاء وضاق بقسوة الالام صدري
ألا ايها التاريخ ماذا جنيت علي جدودي ؟ الست تدري
انا المصري عادت لي قناتي وعدت لها وافديها بعمري
وما انا فيهما الا سياق لشعب عاش في اسر وفقر
وايضا نلحظ ذلك في قصيدة اخري سوء المصير وهي تمثل لحظة مقتل معمر القذافي
وقد عاش شاعرنا في ليبيا فترة كما وضحنا حيث كان معارا فيها وبالتاكيد قد لمس بحاسته الشعرية احوال البلد السياسية يقول
اتري سالت متي وكيف تموت هذا مصيرك ايها الجبروت
قد كنت تامر لا يردك رادع والناس من خوف العذاب سكوت
ولسان حالك قال إني ربكم والكون دونك حائر مبهوت
الآن تعلم أن ربك واحد وله تعالي الملك والملكوت
بشار يعلم انه بك لاحق وله مصير مظلم موقوت
إن لم يمت بالسيف كان بديله صفع القفا والبوكس والشلوت
ولعلنا نلاحظ طابع السخرية الذي امتاز به شاعرنا وهو وان لم يكن واضحا في ديوانه هذا فقد كان ملحوظا في ديوانيه الآخرين جليا ولعل شاعرنا يضاهي بسخريته جرير الشاعر العربي الذي عاش في عصر الدولة الاموية والذي كان لاذع الذم والهجاء
وان كان شاعر لم يفعل ذلك تكسبا أو تشفيا أو لقد الذم وإنما فعل ذلك من أجل تقبيح الصفات الرذيلة حتي ينفر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق