قصة قصيرة / سامي شكرجي / أديب وقاص
#######
الحمامة التائهه
***********
لم تتركه نسمات الفجر دون أن تلامس جسده ، وهو في غفوة عميقة في سريره ، لتفيقه منها ، وهو على سطح المنزل ، فينهض مسرعا كعادته كل يوم ، ويغسل وجهه بتلك النسمات التي تحمل الشفاء لكل عليل. وكما هو مسرع ..كذلك هم بانتظاره كل يوم على أحرِّ من الجمر ، يرومون الخروج من قفصهم ، لينشر لهم الحبوب ويقدم لهم الماء. وكعادتهم بعد أن يكتفوا بما قُدِّم إليهم من غذاء ، يتراقصون ويترنمون .. يحركون ويقبضون أجنحتهم ، ذكورا وأناثا ، يتقدم أحدهم باتجاه قرينته ، أو من يريد أن يداعبها .. تراقصه .. تدفع بنفسها عنه ، مثيرة رغبته ، أو أن يحلّقوا في الفضاء الجميل ، يتناغمون في طيرانهم وتقلباتهم أثناء الطيران ، وكأنَّ حفيفهم موسيقى تراقص الريح ، وتنعش المسامع . لم يكن أجمل من ذلك اليوم الذي قّدموا فيه استعراضا رائعا ، فبقدر راحته وسعادته ، التبس عليه الأمر، وهو يتبحَّر ، ويمدّ ببصره لأعالى السماء ، كان مرتبكا لِما يحدث ، وقد اندمج مع مجموعته سرب آخر من الطيور ، اختلط بعضهم ببعض ، وكأنّ اشتباكا واسعا حصل بينهم ، ف" اختلط الحابل بالنابل " . لم يتمكن من فرز أفراد مجموعته عن الأُخريات ، وكان جُلَّ اهتمامه تلكما الحمامتان ( العنبرسره ، وأنثاه التاره ) .. بدا له وكأنهما فُقِدتا في ذلك الاشتباك ، وهو جالس على عتبة سياج السطح ، ينظر إليهم بشغف. وغالبا ما تتيه بعض الحمائم ولا تعود ، وسط زحامهم وتشابكهم أثناء الطيران ، وهذا الذي حصل ، وقعت الأنثى المسكينة بالمَصْيدة ، وتركت ذَكَرها عائدا ، خائبا بدونها . . مرّت أيام ولياليَ .. لا أثر لها ، ولا خبر يُذكر ، ومع ذلك بقي الذكر ولمدة طويلة وحيدا ، لشدة تعلقه بها ، مخالفا في ذلك كل أعراف الطيور. ولكن للصبر حدود ، إذ لا يمكن له أن يبقي دون أنثى ، وقد بلغ به اليأس منتهاه ، فكيف وقد تعدّت أيام وليالي ، فهو وفي هذه الحالة ، قد يقترن بأخرى ، وهذا ماحصل فعلا . مضت الايام والاسابيع ، بل والشهور ، وهي في منأى عنه .. يبدو أنها مقيدة الجناحين بالدبابيس ، أو أنها قُصَّتْ ، كي تبقى في حوزة من احتواها ، ويؤَثِّروا على ذاكرتها ، لتنسى مكانها السابق ، ولا تفسير آخر غيره ، ففي صباح يوم مشمس وبعد مرور ستة أشهر ، عادت ، وحطَّت على سطح المنزل .. حطَّت وهي تعيش غربة فراقها الطويل ، وما أن مرّت دقائق قليلة ، حتى تآلفت معهم ، ذلك عندما كانوا ينتشرون على سياج السطح . وكلما مرّ وقت ، تناغمت معهم أكثر، و(العنبرسره) في غفلة عنها ، يؤدي مراسيمه اليومية مع قرينته الثانية ، بعيدا عن مجموعته ، وبينما هو يداعبها ، يزقزق ، ويدور حولها ، لمح (تارته ) .. جفل .. بدأ ينجذب إليها شيئا فشيئا ، يتقرب لها ، ويحوم حولها ، وهي في أشد حالاتها شوقا ، ولكن من دون أن تظهره له ، حالها حال أي أنثى .. بلغ الأمر ذروته بينهما .. يمهد أحدهما للآخر ، حتى عادوا إلى وضعهم ، كما كانوا عليه ، وترك الثانية .. كأنَّ شيئا لم يكن ، كان ذلك وفاءَ منه ، وعادوا من جديد ، وعاشوا عيشة سعيدة ، على أكتاف أنثى بائسة.
سامي شكرجي
9 / 3 /2017
#######
الحمامة التائهه
***********
لم تتركه نسمات الفجر دون أن تلامس جسده ، وهو في غفوة عميقة في سريره ، لتفيقه منها ، وهو على سطح المنزل ، فينهض مسرعا كعادته كل يوم ، ويغسل وجهه بتلك النسمات التي تحمل الشفاء لكل عليل. وكما هو مسرع ..كذلك هم بانتظاره كل يوم على أحرِّ من الجمر ، يرومون الخروج من قفصهم ، لينشر لهم الحبوب ويقدم لهم الماء. وكعادتهم بعد أن يكتفوا بما قُدِّم إليهم من غذاء ، يتراقصون ويترنمون .. يحركون ويقبضون أجنحتهم ، ذكورا وأناثا ، يتقدم أحدهم باتجاه قرينته ، أو من يريد أن يداعبها .. تراقصه .. تدفع بنفسها عنه ، مثيرة رغبته ، أو أن يحلّقوا في الفضاء الجميل ، يتناغمون في طيرانهم وتقلباتهم أثناء الطيران ، وكأنَّ حفيفهم موسيقى تراقص الريح ، وتنعش المسامع . لم يكن أجمل من ذلك اليوم الذي قّدموا فيه استعراضا رائعا ، فبقدر راحته وسعادته ، التبس عليه الأمر، وهو يتبحَّر ، ويمدّ ببصره لأعالى السماء ، كان مرتبكا لِما يحدث ، وقد اندمج مع مجموعته سرب آخر من الطيور ، اختلط بعضهم ببعض ، وكأنّ اشتباكا واسعا حصل بينهم ، ف" اختلط الحابل بالنابل " . لم يتمكن من فرز أفراد مجموعته عن الأُخريات ، وكان جُلَّ اهتمامه تلكما الحمامتان ( العنبرسره ، وأنثاه التاره ) .. بدا له وكأنهما فُقِدتا في ذلك الاشتباك ، وهو جالس على عتبة سياج السطح ، ينظر إليهم بشغف. وغالبا ما تتيه بعض الحمائم ولا تعود ، وسط زحامهم وتشابكهم أثناء الطيران ، وهذا الذي حصل ، وقعت الأنثى المسكينة بالمَصْيدة ، وتركت ذَكَرها عائدا ، خائبا بدونها . . مرّت أيام ولياليَ .. لا أثر لها ، ولا خبر يُذكر ، ومع ذلك بقي الذكر ولمدة طويلة وحيدا ، لشدة تعلقه بها ، مخالفا في ذلك كل أعراف الطيور. ولكن للصبر حدود ، إذ لا يمكن له أن يبقي دون أنثى ، وقد بلغ به اليأس منتهاه ، فكيف وقد تعدّت أيام وليالي ، فهو وفي هذه الحالة ، قد يقترن بأخرى ، وهذا ماحصل فعلا . مضت الايام والاسابيع ، بل والشهور ، وهي في منأى عنه .. يبدو أنها مقيدة الجناحين بالدبابيس ، أو أنها قُصَّتْ ، كي تبقى في حوزة من احتواها ، ويؤَثِّروا على ذاكرتها ، لتنسى مكانها السابق ، ولا تفسير آخر غيره ، ففي صباح يوم مشمس وبعد مرور ستة أشهر ، عادت ، وحطَّت على سطح المنزل .. حطَّت وهي تعيش غربة فراقها الطويل ، وما أن مرّت دقائق قليلة ، حتى تآلفت معهم ، ذلك عندما كانوا ينتشرون على سياج السطح . وكلما مرّ وقت ، تناغمت معهم أكثر، و(العنبرسره) في غفلة عنها ، يؤدي مراسيمه اليومية مع قرينته الثانية ، بعيدا عن مجموعته ، وبينما هو يداعبها ، يزقزق ، ويدور حولها ، لمح (تارته ) .. جفل .. بدأ ينجذب إليها شيئا فشيئا ، يتقرب لها ، ويحوم حولها ، وهي في أشد حالاتها شوقا ، ولكن من دون أن تظهره له ، حالها حال أي أنثى .. بلغ الأمر ذروته بينهما .. يمهد أحدهما للآخر ، حتى عادوا إلى وضعهم ، كما كانوا عليه ، وترك الثانية .. كأنَّ شيئا لم يكن ، كان ذلك وفاءَ منه ، وعادوا من جديد ، وعاشوا عيشة سعيدة ، على أكتاف أنثى بائسة.
سامي شكرجي
9 / 3 /2017
hadiselhil.blogspot.com/2017/08/blog-post_256.html?m=1
ردحذف